الأخلاق أساس الإيمان والمعرفة

من القضايا التى طغت فى عصرنا، وحولت الإنسان من إنسانيته، إلى وحش فتّان، متفحش، صلف، باغ، مسرف، شرير، لا بقليل يقنع، ولا بكثير يشبع، هى نكرانه لمفعول الفضائل والقيم الأخلاقية العظيمة التى اتفق على صلوحيتها حكماء البشرية.

فكيف لا تقبل أن تكون مقولة سيد المرسلين "إن أبعد الناس من الله تعالى القاسى القلب" رواه الترميذي؟ والقرآن يقول "ولو كنت فظا غليط القلب لا نفضوا من حولك" "آل عمران آية 159" والخطاب موجه إلى الذى قال فيه الله تعالى "وإنك لعلى خلق عظيم" "القلم آية 4"، هذا حديث صحيح روى عن ابن مسعود. وأكد عليه الصلاة والسلام "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق" وهو حديث صحيح رواه البخارى عن أبى هريرة.

وقال صلى الله عليه وسلم فى حديث حسن رواه البخارى عن أبى هريرة "إنما بعثت رحمة ولم أبعث عذابا" فمن أنكر هذا حرم بركة أوانه، وكم من حساد يعرفون الحق ويتجاهلون، وهؤلاء المطلوب منا أن نحترز منهم ولهذا قيل "احذر من كل جاهل يتحامل، أو جامد ناقل، وحاسد يعرف الحق ويتجاهل".

- فالجاهل الذى يتحامل ويتصدر للتدريس أو ينقل ويقيس فهو شر من اللعين إبليس إذ لا أجهل أو أفسد بالدين من متعصب بالباطل أو منكر لما هو جاهل.

- والجامد الناقل وإن كان يسرد كثيرا من الأمهات ويحفظ كثيرا من المسائل ويدرس كثيرا من مزية نفسه ويحسن الظن به ويجحد مزية غيره ويسيء الظن به نظر إلى أحوال السلف الصالح واتخذها حالات لنفسه ظنا منه أنه تحلى بها فأراد حمل الناس على ما يتوهم أنه مذهبه وأن طريقته هذه تعم وإن كل من خالفه فهو مبطل وأن من وافقه فهو المحق مع أن شواهد الامتحان تنبئ أنه قاصد عما يدعيه كما قال الشاعر:

"إن تك ناسكا فكن كأويس أو تك فاتكا فكن كابن هاني
من تحلى بغير ما هو فيه فضحته شواهد الامتحان"
وقال غيره: "إذا ذكرت الناس فاترك عيوبهم فذلك عند الله والناس أكبر
وإن عبت قوما بالذى فيك مثله فكيف يعيب العور من هو أعور"

- والحاسد الذى يعرف الحق ويتجاهله فاحترز منه وهو الذى يجعل علمه حجة على الناس ينتصف به عليهم ويغالطهم به ويجادل. والمغالطة تلبس الحق بالباطل، وإدخال التشويش على أهل الحق وإثارة الشبهة عليهم بباطل فى صورة حق، والجدال المغالبة بالعلم على وجه لا يرتضيه الله ورسوله.

الأخلاق الشريرة

لقد حذرنا خالقنا رب العالمين من فسق المنافقين فقال تعالى "المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف" "التوبة آية 67" وأفادنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث حسن رواه الطبرانى عن أم سلمة "ليأتين على الناس زمان يُكذّب فيه الصادق، ويُصدّق فيه الكاذب، ويخوّن فيه الأمين ويؤتمن الخؤون ويشهد المرء ولم يستشهد، ويحلف وإن لم يستحلف ويكون أسعد الناس بالدنيا لُكَع بن لُكَع لا يؤمن بالله ورسوله".

فاللكع أصله للعبد ثم استعمل فى الحمق والذم وأكثر ما يقع فى النداء وهو اللئيم والوسخ. وغالبا ما تنتشر الأخلاق الشريرة إذا غاب العلم النافع وانتشر العلم غير النافع. "إن علما لا ينتفع به ككنز لا ينفق منه فى سبيل الله" روى عن أبى هريرة.

الأخلاق الطيبة

ووعد رب العالمين بالرحمة "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم" "التوبة آية 72" ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام فى حديث صحيح روى عن أبى هريرة "إنما أنا رحمة مهداة".

الدين بين الجهل والمعرفة

قال الشاعر أحمد الصافى النجفي
"الدين عند الجاهلين بلاء وغلاظة وتعصب ورياء
والدين عند العارفين تكامل ولطافة وسماحة وإخاء"

وقال أبو العلاء المعري:
"سبح وصل وطف بمكة زائرا سبعين لا سبعا فلست بناسك
جهل الديانة من إذا عرضت له أطماعه لم يُلْف بالمتماسك"

ومن أجل الجهل، وبسببه قال أحد الشعراء
"يقولون الزمان به فساد وهم فسدوا وما فسد الزمان"

وقد قيل "ليس العجب من جاهل يصحب جاهلا، ولكن العجب من عاقل يصحبه لأن كل شيء يفر من ضده ويميل إلى جنسه".

"سئل واعظ وهو يخطب عن موضوع ما... فقال: لا أدري. فقيل له: "ليس المنبر موضع جهل" فقال الواعظ: لقد علوت بقدر علمي، ولو علوت بقدر جهلى لبلغت عنان السماء".

وختاما اتفق أغلب العلماء أن مكارم الأخلاق عشرة: "صدق الحديث، وصدق اللسان، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، والمكافأة بالصنيع، وبذل المعروف، وحفظ الذمام للصاحب وقرى الضيف، ورأسهن الحياء" وقد قيل "الأخلاق تزين المعرفة وتصقلها فى طريقها عبر العالم" قال جمال الدين الأفغانى "لا أمة دون أخلاق، ولا أخلاق بغير عقيدة، ولا عقيدة بغير فهم". ودخل ابن سينا مرة على "مسكويه" والتلاميذ حوله، فرمى إليه بجوزة وقال له: "بيّن مساحة هذه الجوزة؟" فرفع مسكويه أوراقا فى الأخلاق ورماها إلى ابن سينا وقال له: "أما أنت فأصلح أخلاقك أولا حتى أستخرج مساحة الجوزة".

وقال أمين الريحانى "من الناس من لا يرى غير الطيب فى أعمال الغير، فهذا كريم فأكرموه، ومنهم من لا يرى غير الخبيث، فهذا زنيم فانبذوه، ومنهم من يرى الطيب والخبيث معا فهذا حكيم فاتبعوه".